الإنكار على ولي الأمر كما جاء عن السلف .. خمس وقفات

لوقفة الأولى: تكثر الفتن آخر الزمان؛ حتى يراها الناسُ معروفاً ويرون السنة منكراً! وقد يهلك فيها الكبير قبل الصغير؛ بل حتى العالِم! ولا نجاة إلا لمن تمسك بالسنة
قال الزبير بن عدي رحمه الله: أتينا أنس بن مالك رضي الله عنه فشكونا إليه ما نلقى من الحجاج! فقال: (اصبروا؛ فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم؛ سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم)
  • وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يربو فيها الصغير ويهرم فيها الكبير ويتخذها الناس سنة؛ فإن غُيّر منها شيء قيل غُيّرت السنة)؟
  • وقال يونس بن عبيـد رحمه الله: (ليس شيء أغـرب من السـنة، وأغرب منها من يعرفها)
  • وقال الزهري رحمه الله: كان من مضى من علمائنا يقول: (الاعتصام بالسنة نجاة)


الوقفة الثانية: مما جاء عن السلف رضي الله عنهم ورحمهم أن النصيحة لولي الأمر لا تكون إلا سرّاً، وهذا المعنى ثابت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ومروي عن غير واحد من السلف، بل هو أمر مستقرّ عندهم
  • قال صلى الله عليه وسلم "من كانت عنده نصيحة لذي سلطان فليأخذ بيده فليخلوا به؛ فإن قبلها قبلها، وإن ردّها كان قد أدّى الذي عليه"
  • وقيل لأسامة بن زيد رضي الله عنه: (لو أتيتَ عثمان فكلّمته)! فقال: (إنكم لترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم؟! إني أكلّمه في السرّ دون أن أفتح باباً لا أكون أول من فتحه)
  • وقال سعيد بن جمهان رحمه الله: أتيت عبدالله بن أبي أوفى رضي الله عنه فقلت له: (إن السلطان يظلم الناس ويفعل بهم)! فتناول يدي فغمزها بيده غمزة شديدة، ثم قال: (ويحك يا ابن جمهان! عليك بالسواد الأعظم، عليك بالسواد الأعظم، إن كان السلطان يسمع منك فائته في بيته فأخبره بما تعلم، فإن قبل منك وإلا فدعه فإنك لست بأعلم منه)
  • وسأل سعيدُ بن جبير رحمه الله ابنَ عباس رضي الله عنه: (آمر إمامي بالمعروف)؟ قال: (إن كنت ولا بدّ فاعلاً ففيما بينك وبينه، ولا تغتب إمامك)
  • وقال عبدالله بن عكيم رضي الله عنه: (لا أعين على دم خليفة أبداً بعد عثمان)، قيل له: (يا أبا معبد؛ أو أعنتَ على دمه)؟ فقال: (إني أعدّ ذكر مساويه عوناً على دمه)
  • وقال الشوكاني رحمه الله: (ولا يُظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد، بل كما ورد في الحديث أنه يأخذ بيده ويخلو به ويبذل له النصيحة، ولا يذلّ سلطان الله)
  • وقال ابن باز رحمه الله: (ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة وذكر ذلك على المنابر; لأن ذلك يفضي إلى الفوضى وعدم السمع والطاعة في المعروف, ويفضي إلى الخوض الذي يضر ولا ينفع, ولكن الطريقة المتّبعة عند السلف النصيحة فيما بينهم وبين السلطان والكتابة إليه أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به)
  • وقال ابن عثيمين رحمه الله: (فلا تغتر بمن يفعل ذلك وإن كان عن حسن نية؛ فإنه خلاف ما عليه السلف الصالح المقتدى بهم)


الوقفة الثالثة: جاء عن السلف رضي الله عنهم ورحمهم الإنكارُ على ولي الأمر علانية حال وقوعه في الخطأ، بحيث يكون الإنكار والنصح أمامه لا في غَيبته من وراء ظهره
  • وفي هذا المعنى ما قال طارق بن شهاب رحمه الله: أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة؛ مروانُ! فقام إليه رجل فقال: (الصلاة قبل الخطبة)! فقال: (قد تُرك ما هنالك)! فقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: (أما هذا فقد قضى ما عليه؛ سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)
  • قال ابن عثيمين رحمه الله: (جميع الإنكارات الواردة عن السلف إنكارات حاصلة بين يدي الأمير أو الحاكم)


الوقفة الرابعة: عند انتشار الثورات وتساهل الناس في بيعة ولي الأمر والوقوع فيه؛ يتأكد التواصي بالسمع والطاعة وتعاهد هذا الأصل وتثبيته وتقويته وذكر حسنات ولي الأمر بدون كذب ولا مبالغة ولا تسويغ منكر ولا أمر بمعصية
  • وهذا المعنى مروي عن السلف رضي الله عنهم ورحمهم؛ فقد سُئل ابن عمر رضي الله عنه عثمان رضي الله عنه، فذكر أحسن أعماله، ثم قال للسائل: (لعل ذلك يسوءك)؟ فقال: (أجل)، فقال: (أرغم الله بأنفك).


الوقفة الخامسة: يظنّ بعض الناس أنه يجوز له إعلان النصيحة بحجة إبراء الذمة أو بيان الحقّ؛ وهذا من تلبيس إبليس؛ بل هو المفسدة بعينها! وما من نصيحة إلا ويراد بها هذا! .. والذي يُقال: أن الذمة تبرأ فيما بين العبد وربه؛ ولا يلزم أن يُعلن على الملأ براءة ذمته، كما لا يلزم من إبراء الذمة إظهار مخالفة ولي الأمر

والواقع يشهد بذلك؛ فمع وجود البنوك الربوية وعدم منعها من الحكومة؛ إلا أن الحاكم لا يُلزم الناس بها ولا يحملهم عليها؛ والعلماءُ في وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية كثيراً ما يُفتون بتحريم الربا ويحذرون منه، وبمقدور العالِم أن يفتي بتحريم الأمر دون ذكر ما يتعلق بولي الأمر
  • قال ابن باز رحمه الله: (وإنكار المنكر يكون من دون ذكر الفاعل؛ فينكر الزنا وينكر الخمر وينكر الربا من دون ذكر من فعله، ويكفي إنكار المعاصي والتحذير منها من غير أن يذكر فلانا يفعلها لا حاكم ولا غير حاكم)

هناك 6 تعليقات:

  1. العجيب يا بندر أن هناك سمة يشترك فيها عامة الحزبيين الذين يصيحون بالحكام
    وهي انهم لا ينكرون على رؤوس البدع وأصحاب الأحزاب المعاصرة
    فلا تكاد تجد لأحدهم كلمة في الإخونجية ولا التبليغ ولا غيرهم من رؤوس أهل البدع في هذا العصر الذين هم سبب فساد العباد حكاما ومحكومين
    تأمل تجد ذلك في أغلبهم إن لم يكن كلهم
    وأدنى نظرة لطريقة السلف الصالح رحمهم الله تبين أن الطريق ليس على هذا إذ كلام السلف في أهل البدع كثير لا يحصى، ونحن نعلم أنه كان في عهدهم من الظلمة الجائرين من كان ومع ذلك لا تجد هذا التهييج في كلامهم منهجا ولا طريقا، والله أعلم

    ردحذف
  2. شيخ بندر لتك تغير ألوان المدونة لألوان مريحة وجزاكم الله خيراً

    ردحذف
  3. ياشيخ بندر بارك الله في جهوك ونفع بك الإسلام والمسلمين وجعل ما تقدمه في موازين حسناتك
    ولكن عندي ملاحظة: لو ذكر تخريج الأحاديث والآثار ومصادر أقوال العلماء لكان ذلك أبلغ في القبول

    ردحذف
  4. هل الأسانيد صحيحة يا شيخ

    من باب المعرفة فقط

    ردحذف
  5. مشكلة العوام ان العاطفة غلبتهم زائد جهلهم بأحكمام الدين والنتيجة وقوعهم في ايدي الخوارج والميل معهم

    ردحذف
  6. بارك الله فيك

    وسدَّد الله خطاك.

    ردحذف