عنز ولو طارت

عنز ولو طارت .. يُضرب هذا المثل فيمن يصرّ على الأمر عناداً وتكبّراً بعد ظهور الحقيقة، وأما قصته ففيها الكثير من الغرابة والطرافة معاً.. يحكى أن رجلين شاهدا شيئاً بعيداً، فاختلفا فيه، فقال أحدهما: طائر، وقال الآخر: بل عنز، وبينما هما في جدال إذ طار ذلك الشيء، ففرح الأول بالانتصار على صاحبه، إلا أن الآخر فاجئه بقوله: عنز ولو طارت! 

قرأت لأحدهم قصة مشابهة، حيث دخل صاحبنا محلاً تجارياً فوجد صاحب المحلّ يعبد تمثالاً، وقد وضع أمام التمثال ماءاً وشيئاً من الطعام، فعزم على نصحه في هذا الإله؛ هل يسمع أو ينطق أو يأكل أو يشرب ..؟ وبالتالي هل يملك النفع والضر؟! وفي الوقت التي بدأ صاحبنا محادثة هذا الرجل إذ بالتمثال يسقط على الأرض ويتهشّم، وبدلاً من أن يعترف الرجل بالحقيقة (بلا جدال) إذ به يغضب ويطرد صاحبنا قائلاً: لقد أغضبتَ الآلهة!

والأغرب من هذا كله ما يحكى عن تكفيريّ أنه قال عن حكامنا: (لن أبايعهم؛ حتى ولو دخلوا الإسلامَ من جديد)! بناء على رأيه: لا يريدهم ولو صلحوا! 

وما قاله هذا التكفيري هو حقيقة كل الثوريين، فاحفظها واجعلها راسخة في ذهنك، فإن شواهد الأيام تعضدها، وأفعال القوم تشهد بكرههم لحكامنا (لذواتهم) لا للأفعال التي ينسبونها إليهم تارة كذباً وافتراءاً على الله ورسوله حين يُكفّرون بما ليس بمكفّر، وتارة كذباً وافتراءاً على البشر حين ينسبون لهم ما لم يثبت

هم وإن اختلفوا في تكفير الحكومة خلافاً سائغاً (عندهم) يعذر فيه بعضهم بعضاً، إلا أنهم لا يختلفون في ضرورة استبدالهم والخروج عليهم

ولأن القوم أصحاب باطل، فلا بُدّ أن يكون للشيطان في دعوتهم دور، فلولا تلبيس إبليس ما انتشر منهجهم الذي يتعارض مع ما فطر اللهُ الناسَ عليه، مصداقاً لما في الحديث القدسي: "خلقتُ عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم [استخفّتهم] عن دينهم" رواه مسلم

في الوقت الذي لم يسمع فيه الناس بالثورة، كان لبلادنا بعض المعارضين، فيالله؛ تركوا بلاد العالم كلها على ما فيها وتوجهوا لأطهر بقعة على وجه الأرض وأكثر حكام المسلمين تطبيقاً لشريعة الرحمن!

الصفحة الأولى من القصة بدأت من باب (الغيرة على السنة).. فأوحى الشيطانُ إلى بعض أرباب الحماسة أن ثوروا باسم نُصرة المنتظَر؛ حاربوا به الفساد وأنكروا المنكرات وأظهروه وألزموا المسلمين بمبايعته.. لكن الله أحرق هذه الصفحة بأن مات مهديّوهم ولم يظهر أمر أحد منهم، حتى بان لمن بقي منهم على قيد الحياة فساد منهجه، فاللهم اهدهم واكفنا شرّهم

ثم فتح الشيطانُ صفحة ثانية عَنون لها بـ (الغيرة على حقوق الإنسان).. فأوحى إلى رجلين لم يُعرفا بعلم ولا دور يذكر في المجتمع، أن ثورا وهيّجا الناس باسم كرامة الإنسان والاستبداد بالمال.. لكن الله أحرق هذه الصفحة بفضله ورحمته ثم بتمسك أهل الحرمين بدينهم قبل وطنيتهم، لا سيما في ظلّ وجود علماء أجلاء أظهر اللهُ بهم السنة ونصر بهم منهج السلف الصالح، فلم تقم في وقتهم لأهل البدع قائمة، .. فاللهم اهدهما واكفنا شرّهما

ثم فتح الشيطانُ صفحة ثالثة عَنون لها بـ (الغيرة على العقيدة).. فأوحى إلى طائفة من الناس أن كفّروا الحكام باسم الحكم بما  أنزل الله ومعاداة الكفار.. وأحرق الله هذه الصفحة بأهل السنة الصادقين الذين جادلوهم بالعلم وكسروهم بقال الله وقال رسوله وقال السلف الصالح

وهذه الطائفة مِن أعجب مَن خلق الله، فلا هم الذين أتوا على ما قالوا بدليل صحيح صريح، ولا هم الذين أخذوا بفهم سلف الأمة من الصحابة والتابعين، ولا هم الذين وسعهم ما وسع علماء العصر الذين عرفوا لحكامنا فضلهم ومكانتهم وحذّروا من تكفيرهم والخروج عليهم، وهذا السرّ الذي جعل عداوتهم تتعدى علماءنا بعد أن كانت لحكامنا خاصة، فاللهم اهدهم واكفنا شرّهم

ثم فتح الشيطانُ صفحة رابعة عَنون لها بـ (الغيرة على الحرّية).. فأوحى إليهم أن ثوروا باسم الحرية والتعددية المذهبية ونصرة الموقوفين والدفاع عن المطلوبين والمطالبة بإطلاق سجناء الرأي.. وأحرق الله هذه الصفحة بأن كشف أمرهم وأظهر حقيقتهم وأبان للناس غايتهم وأن لمطالبهم مآرب أخرى، بدليل مخالفتهم للمنهج النبوي في المناصحة والمطالبة، ومخالفة العلماء لهم، إلى جانب استغاثتهم (المكشوفة) بالغرب وتصعيد مطالبهم للخارج، وفي هذا دلالة على أن الغاية ليست تحقق المطالب بقدر ما تكون فرصة لتحقيق الاستبدال الذين تتلهف له قلوبهم وتشتاق له نفوسهم، فاللهم اهدهم واكفنا شرّهم

ثم فتح الشيطانُ صفحة خامسة عَنون لها بـ (الغيرة على الحقوق).. فأوحى إليهم أن أعيدوا فتح صفحة (حقوق الإنسان) بلُغة عصرية وأثيروا الكراهية والبغضاء والنقمة على الحكام باسم (البطالة والفقر والسكن وغلاء الأسعار).. إلا أن الله تبارك وتعالى أحرق صفحتهم هذه بالنصوص المتكاثرة في السنة النبوية والتي تأمر بالسمع والطاعة والصبر عند الابتلاء، ثم بتكاتف العلماء الصادقين وردّهم الناس إلى المنهج النبوي رداً جميلاً، ثم بالكثير من الإصلاحات التي بادر بها الحكام وفقهم الله لكل خير، فاللهم اهدهم واكفنا شرّهم

والآن، فتح الشيطان صفحة جديدة -ولن تكون الأخيرة- عَنون لها بـ (السياسة الشرعية).. فأوحى إليهم أن ثوروا باسم المشاركة السياسية، فرأينا من يطالب بالانتخاب وتحويل الحكومة إلى نظام دستوري ديموقراطي.. وهذه الصفحة في طريقها للاحتراق بإذن الله، لأن مجتمعاتنا بحمد الله لا تستبدل الذي أدنى بالذي هو خير، ولذلك تتركز حركة هذه الطائفة على فئة الشباب، وتعمل على مهادنة جميع الطوائف والفئات، لعلمهم بأن أهل العقيدة الصحيحة لا يستجيبون لهم ولا يقبلون منهم في هذا الباب صرفاً ولا عدلاً

وبعد هذه الحكاية بصفحاتها المتعدّدة، إليك (قاصمة الظهر)، والحجة التي فيها الشفاء لمن في قلبه داء، أو بقايا من الثقة بهؤلاء: حيث إن الثوريون الذين خرجوا سابقاً (باسم الغيرة على العقيدة)، هم الذين يخرجون الآن (باسم الحرية)، وباسم (الحقوق)، وباسم (السياسة الشرعية)! فلا هم الذين كفّوا ألسنتهم عنّا، ولا هم الذين أظهروا صدق غيرتهم على الدين ومطالبتهم بالشريعة وحمايتهم للعقيدة؛ وليت شعري كيف تحولوا من التكفير بحجة عدم الحكم بالشريعة إلى المطالبة بالتخلي عن الشريعة؟ وكيف تحولوا من التكفير بحجة موالاة الكفار إلى المطالبة بالتعايش والتعدّدية والانفتاح؟

لا أجد جواباً لهذا التناقض إلا أحد ثلاث احتمالات:
الأول: أنهم متقلبون سلوكاً تائهون اعتقاداً لا يزالون يبحثون لأنفسهم عن دين يدينون به ومنهج يسيرون عليه
والثاني: أن ورائهم أيدٍ تُحرّكهم كيف ومتى وبأي طريقة أرادتْ
والثالث: أن الثورة غايتهم ومبتغاهم، فتراهم يركبون كل موجة ويستعملون كل طريقة ولو كلّفهم هذا التخلي عن مبادئهم

فاللهم اهدهم واكفنا شرّهم

هناك تعليقان (2):

  1. جزاك الله تعالى خيرا وبارك الله تعالى فى سعيك
    وأمضى قدما جعلك الله تعالى منارة لنشر الحق "التوحيد والسنة "السنة
    قامعا للبدع والانحرفات وأهلها .

    ردحذف
  2. جزاكم الله خيرا ونفع بكم الأمة

    ردحذف