من أسرار السعادة والتوفيق عند السلف .. حقيقة لا مبالغة

الوِرْد أو الحِزْب: مقدار مُحدّد من العبادة يُلزم المسلم به نفسه

العبادة قد تكون (صلاة نافلة، تلاوة قرآن، ذكر لله باللسان ...)

التحديد قد يكون من حيث العدد (عشر ركعات نافلة، ثلاثة أجزاء من القرآن، مائة تسبيحة ...)، وقد يكون من حيث الوقت (ساعة، نصف ساعة ...)

هذا التحديد لا يراد منه تفضيل العدد أو المدة! وإنما يراد منه مراعاة قدرة النفس وحملها على بذل ما تستطيع من الجهد

حكم هذا الفعل: أمر مشروع لا يدخل في البدعة ولا محظور فيه، بل كان يفعله معظم السلف كما هو مذكور في كتب السير والتراجم

الإلزام: يراد به إلزام النفس لا الناس، ثم لا يعني الوجوب الشرعي بل المقصود منه حث النفس على الفعل ومنع التهاون

فائدته: تعويد النفس على الطاعة؛ فالنفس إذا تُركت كسلت، ولذا كان مما يقال في تراجم السلف أن أحدهم لا يكاد يترك ورده، بل يحزن ويتألم إذا نام أو غفل عنه

أقترح: أن يبدأ الواحد منا مع نفسه ويحملها على ما تطيق من العمل ولو قلّ، ولو جرب أحدنا (ربع أو نصف ساعة) لوجد خيرا كثيرا

ستجد للمحافظة على (الورد اليومي) أثرا عظيما في حياتك، مع أنه لا يكلف الكثير من الوقت (ربما نصف ساعة من كل يوم)، والنفس غالبا تحتاج لتحديد وإلزام وإلا فلن تتعود ولن تجتهد

من الأذكار الواردة في السنة:
1. سبحان الله وبحمده (مائة مرة)
2. سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
3. سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر
4. لا إله إلا الله
5. الحمد لله
6. رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا
7. الاستغفار
8. أذكار الصباح والمساء الدخول الخروج النوم

ومن العبادات اليومية:
1. قراءة جزء من القرآن (أو أقل أو أكثر)
2. صلاة الوتر (ولو بركعة واحدة) ولو بعد صلاة العشاء مباشرة ولو في المسجد المهم المداومة عليها
3. الدعاء والتضرع لله تعالى

كل ما تريد معرفته عن الليبرالية .. 16 تساؤلاً

# ليس شرطا أن ينطبق كل ما في هذا المقال على كل حال، وللتأكد؛ اقرأ إجابة السؤال الثالث عشر #

التساؤل الأول: ما الليبرالية؟
حركة فكرية تعتني بالحرية

التساؤل الثاني: هل الليبرالية دين؟
ليست ديناً

التساؤل الثالث: ما علاقتها بالعلمانية؟
العلمانية أُمّ الليبرالية، فالعلمانية فكرة، والليبرالية قامتْ لتطبيق تلك الفكرة
وربما يُقالالعلمانية تهتمّ بسياسة الدولة، والليبرالية تهتمّ بكل شيء وليس بالسياسة فحسب

التساؤل الرابع: ما مطالب الليبراليين؟
الحرية

التساؤل الخامس: ما المؤاخذات على الليبرالية؟
1. المطالبة بحرية واسعة قد تبلغ درجة نبذ القيود الدينية والاجتماعية
2. تعظيم العقل لدرجة اعتباره كافياً للحكم على الأشياء، وتمييز الحقائق، ومعرفة الحق من الباطل
3. التحسّس من العبادات التي يعتبرونها مُصادمة للحرية؛ كالنصيحة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتطبيق الحدود

التساؤل السادس: هل الليبرالي ينتقد الإسلام أم المسلمين؟
بعضهم يتجرّأ ويصرّح بانتقاد الإسلام، وبعضهم يُوْهم أو يتوّهّم أنه لا ينتقد الدين وإنما ينتقد أهل الدين، بينما قد يُرى منه نقد للدين نفسه؛ بقصد أو بدون قصد

التساؤل السابع: ما نظرة الليبراليين للإسلام؟
1. الإسلام غير قادر على حلّ مشكلات العصر
2. التمسّك به تشدّد

التساؤل الثامن: ما أبرز المصطلحات التي يُردّدها الليبراليون؟
1. الحوار؛ وقصدهم مناقشة كل شيء، حتى المُسلّمات والثوابت
2. سعة الأفق؛ وقصدهم تقبّل الآراء المخالفة، ولو كانت فاسدة
3. تقبّل المخالِف؛ وقصدهم أن نحترم الرأي ولو كان باطلا
4. التعايش؛ وقصدهم أن يبقى كل واحد على دينه دون نُصح أو إنكار
5. التنوير؛ لقب أطلقوه على أنفسهم ومَن وافقهم

التساؤل التاسع: كيف يحاولون إقناع الناس بآرائهم؟
1. إيهام الناس بأنهم مُثقّفون
2. إظهار حضارة الغرب بصورة مثالية
3. تسليط الضوء على أخطاء المُتديّنين
4. ربط التخلّف والمصائب والمشاكل بالدين
5. إظهار الدعاة المتعاطفين معهم على أنهم أهل الوسطية

التساؤل العاشر: من أي شيء استفاد الليبراليون؟
1. أحداث الإرهاب؛ فحاولوا إقناع العالم بأن هذا حال المسلمين، وليس من فعل طائفة ضالّة لا تُمثّل الإسلام الصحيح
2. بعض الفتاوى الاجتهادية التي تتغيّر مع تغيّر العصر؛ كتحريم بعض وسائل التقنية
3. تقصير بعض المؤسسات الدينية
4. أخطاء بعض القائمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
5. أخطاء بعض الجمعيات الخيرية

التساؤل الحادي عشر: ما علاقة الليبراليين بالدعاة؟
استطاعوا بمساعدة بعض الدعاة (الذين كانوا مشددين بالأمس) أن ينتشروا بين المسلمين، فالناس لا تتقبّل من أديب أو روائي يخلو تاريخه من العمل الإسلامي؛ لكنه قد يتقبل الفكرة نفسها على اعتبار أنها بحث فقهي أو فتوى شرعيةلذا فإن مرحلة الانحراف التي يعيشها بعض الدعاة كانت خير مُعين لليبراليين في تمرير أقوالهم وآرائهم باسم الدين، ومن الأدلة على قوة العلاقة بينهم أن بعض الدعاة لم ينتقد الليبرالية حتى الآن

التساؤل الثاني عشر: كيف أكتشف الليبرالي؟
1. القناعة بالحدود الشرعية كقطع السارق وجلد الزاني وقتل المرتد
2. تقبّل النصيحة والتناصح بين الناس
3. أهمية تعلم أحكام الدين والرجوع للعلماء
4. تعظيم السلف واحترام فهمهم للدين
5. توقير العلماء الصادقين والثناء عليهم
6. حب القُضاة الشرعيين والقضاء الشرعي
7. حب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
8. الرضا عن حضارة المجتمع المسلم
9. الموقف من الحضارة الغربية
10. الموقف من علماء العصر كابن باز والألباني وابن عثيمين، لا سيما العلامة صالح الفوزان لأنه ردّ عليهم كثيراً

التساؤل الثالث عشر: هل أفكار كل الليبراليين واحدة؟
ليسوا كلهم على منزلة واحدة؛ فمنهم المبتدِيء، ومنهم مَن لا يوافق على كل آراء الليبرالية، بل منهم مَن يميل لـ الليبرالية وينتسب لها؛ لكنه لا يعرف أفكار ومباديء الحركة الليبرالية الحقيقية

التساؤل الرابع عشر: هل الليبراليون كفار؟
يجب أن نُفرّق بين أمرين:
1. الحكم على (الفِرقة)
2. والحكم على (أفراد) تلك الفِرقة

فعند الحكم على فكر الليبرالية يقال:
الليبرالية فكرة خطيرة؛ لأن بها مباديء تُخالف شريعة الإسلام
لكننا عند الحكم على أحد أفراد الليبرالية
لا يحقّ لنا إطلاق حكم واحد على جميع من ينتسب لهذا الفِكْر
لذلك لا يمكن الحكم على الليبرالي حتى ولو قال بلسانه (أنا ليبرالي)، بل نستفصل منه ونقول: ماذا تقصد بالليبرالية التي تطالب بها؟ ونستمع لوصفه للشيء الذي في ذهنه

ومع هذا فإنه يقالإن الحكم على الناس خاص بأهل العلم، ولا ينبغي الخوض في التكفير ولا التسرّع فيه، وعلى طالب العلم أن يقوم بدوره في التحذير والنصح دون التطرّق للتكفير

التساؤل الخامس عشر: لماذا يُعدّ الفكر الليبرالي خطيراً؟
الليبرالية ليست ديناً، وليست جماعة لها رئيس ومقرّ، لكنها فكرة! يتم تمريرها للعقول، وشيئاً فشيئاً حتى يكون لها تأثير

يبدأ تأثيرها بطرح التساؤلات عن الدين؛ ما فائدة كذا؟ ما الحكمة من كذا؟ فيُخيّل إليك أنك تحاور رجلا لتقنعه بسماحة الإسلام وعظمته، ثم بالاعتراض على بعض أحكام الدين باتّهام المسلمين بسوء فهم الشريعة، ثم بتقييم نصوص الدين وعرضها على ميزان النقد، ثم بالقناعة بأحد رأيينإما التخلي عن الإسلام والبقاء بلا دين، أو أن تكون العلاقة بالدين داخل المسجد، مع عزل الدين عن بقية الحياة كما هي الفكرة العلمانية تماماً.. 

لذلك؛ قد يصاحب المرءُ ليبراليا وهو لا يشعر، وقد يسير على طريق الليبرالية وهو لا يشعر، وقد يستحسن بعض أفكار الليبرالية وهو لا يشعر

التساؤل السادس عشر: كيف أناقش الليبرالي؟
ناقش في الأصل لا في التفاصيل، فلا تحاور الليبرالي في قضايا المرأة؛ كالاختلاط وكشف الوجه وما شابه، بل ناقشه في رأيه في الإسلام وفي الأحاديث التي تخالف عقله

مثالإذا انتقد الليبرالي أخطاء بعض رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قل لهدعنا من الأخطاء الفردية وحدثني عن رأيك في شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلو افترضنا أن رجال الهيئات على خطأ؛ هل تعتقد أن مبدأ الاحتساب الذي جاء في الكتاب والسنة مبدأ صحيح أم فيه اعتداء على الحرية؟

بمعنى أنك لا تناقشه في أفعال الناس، وإنما ناقشه فيما جاء عن النبي وأصحابه، هل يتقبّله أم لا؟ فإن قال لكلا أتقبلهفهذا أمر خطير، وإن قال لكهو مبدأ صحيح، فقل لهوهل الحلّ هو إلغاء هذه الشعيرة أم إرجاعها لما كان عليه النبي وأصحابه؟ فإن اختار المصادمة؛ فهو مكابر، وإن اختار الرجوع للنبي وأصحابه؛ فقد بدأ أول خطوة نحو الاعتدال!

مناقشة علمية هادئة لـ 18 مسألة متعلقة بحُكّام المسلمين


كتاب
وجادلهم بالتي هي أحسن
مناقشة علمية هادئة لـ 18 مسألة متعلقة بحُكّام المسلمين

الكتاب يصلح
لمن لديه إشكالات تتعلق بالحكام
ولمن يتعرّض لمناقشة من عندهم شبهات



لتحميل الكتاب

إذا أردت معرفة الفرق بين العوامّ والمتحزّبين؛ فاقرأ هذه الأسطر


حصل لي موقف عجيب في إحدى الولائم، أثّر في نفسي كثيراً، أرشدني لشئ كنت عنه غافلاً وأظنه يخفى على كثيرين مثلي

نظراً للزحام الذي يكون في الولائم فالمعتاد أن يكون هناك أكثر من مجلس، الرئيسي للكبار سناّ ومجلس آخر للصغار، وكلما زاد عدد كبار السن كلما اضطرّ أحد الصغار لمغادرة المجلس الرئيسي، إلى أن يمتلئ المجلس الثاني بالشباب وصغار السن، ولا أذكر أنني غادرت المجلس الرئيسي، أحيانا لعدم الحاجة لمغادرتي، وأحياناً لا يُسمح لي بالذهاب لمجلس الصغار

ذات وليمة! ازدحم المجلس جداً، خرجت سريعاً قبل أن يراني أحد، سلّمتُ على الصغار ثم جلست، إنها المرة الأولى التي أجلس بينهم

التفت إليّ أحدهم وطرح سؤالاً عن (المسح على الجورب) فأجبته على سؤاله، طلب أحد الحضور إعادة الإجابة فأعدتُ السؤال والجواب مرة أخرى، لم تمض دقيقة واحدة حتى اجتمع الشباب والصغار حولي بين سائل ومستمع، كان السائل يحفظ الجواب ويعيده مرة أخرى ليُؤكّد أو يُصوّب فَهْمه، أصبحت الجلسة وكأنها درس فقهي، ثلاثون سؤالاً في المسح على الجوارب، ناهيك عن حفظهم للمسائل وفهمها وطرح بعض الأمثلة والتطبيقات عليها

رجعتُ بكثير من الفوائد التي لا تزال في نفسي حتى هذه اللحظة، سأحدثك عن بعضها

الفائدة الأولى: العوامّ (أهل الفطرة)، أحرص على دينهم من كثير من المجادلين ولو طالت لحاهم، فأسئلتهم مفيدة وعقولهم نقية واستجابتهم سريعة

الفائدة الثانية: أهل الفطرة يسألون ليفهموا الدين ويعرفوا مراد الله ورسوله، وغيرهم يسأل ليفهمك أنت ويعرفا توجّهك ويحكم عليك

الفائدة الثالثة: أهل الفطرة يسألون ليعملوا ويمتثلوا ما تعلّموه، أما غيرهم فيسأل ليجادل وينتصر لنفسه أو حزبه أو لمن يتعصّب له

الفائدة الرابعة: أهل الفطرة يستجيبون للنصوص ولا يجرؤون على الاعتراض على الحديث، أما غيرهم فلا مانع عنده من الاعتراض على الحديث لمجرد أنه سمعه من خصمه

الفائدة الخامسة: أهل الفطرة إذا ذكّرتَهم بالله تذكّروا وخشعت قلوبهم وسكنت أنفسُهم، أما غيرهم فمهما وعظتَه فالأصل أنه لا يقبل منك لأنك لست من حزبه إلا أن يشاء الله

فلنحرص على أهل الفطرة النقيّة، ولا ننشغل عنهم بمجادلة المعاندين

قضية التحذير من أهل البدع .. كما يراها الصحابة

نوافذ على منهج الصحابة الكرام رضي الله عنهم في التعامل مع البدع وأهل البدع، حريّ بنا تأمل هذه الأسطر لمعرفة الفرق الكبير بيننا وبين ذلك الجيل الذهبي الذي ينطلق من الغيرة على الدين لا من الغيرة على الأسماء وتقديس الرجال


قالت معاذة العدوية رحمها الله: سألتُ عائشة رضي الله عنها: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟! قلت: لستُ بحرورية ولكني أسأل! قالت: كان يُصيبنا ذلك فنُؤمر بقضاء الصوم ولا نُؤمر بقضاء الصلاة .. رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم .. والحرورية فِرقة من فِرَق طائفة الخوارج المبتدعة


النافذة الأولى

أهمية التحذير من البدع ولو كان السؤال عن الطهارة .. فأمّنا عائشة رضي الله عنها حذّرت من الخوارج مع أن السؤال كان في الفقه .. وبعض الناس يقول: (الدرس درس فقه فلا تتحدث عن أهل البدع ولا تُحذّر منهم)!


النافذة الثانية

الإنسان قد يَعتبر بالقرائن .. فأمّنا عائشة رضي الله عنها شكّكتْ في السائلة فوجّهت لها السؤال (هل أنتِ منهم)؟ .. كل هذا لمجرّد أنها أوردت إشكالاً يورده الخوارج .. وبعض الناس يرى من الرجل أقوالاً (وليس مجرد تساؤلات) تشابه أقوال أهل البدع ومع هذا يقول: (هو من أهل السنة)! ويعتذر له

النافذة الثالثة

الرد على من ينكر تصنيف الناس (سني، بدعي، سلفي، مبتدع، خارجي ...) إلى غير ذلك من الأسماء والأحكام .. فأمّنا عائشة رضي الله عنها أطلقتْ لقب (الحرورية) .. وبعض الناس يغضب ويقول: (دعونا من الأسماء والأحكام؛ فقد فرّقتم المسلمين)!


النافذة الرابعة

يجب على المرء إذا اتُّهم بشيء أو نُسبت إليه بدعة وهو برئ منها؛ أن يردّ عن نفسه ويبيّن موقفه .. فأمّنا عائشة رضي الله عنها لمّا شكّت في أمر المرأة وجّهت السؤال لها، فقامت المرأة بالدفاع عن نفسها ونفت أن تكون من هذه الفرقة .. ونحن نرى بعض الدعاة تدور حوله الشكوك ويُسأل عن موقفه الصحيح الواضح من بعض القضايا؛ فلا يُجيب! ولو كان بريئاً من هذه الاتّهامات للزمه أن ينفي عن نفسه كما ينفي عن نفسه الأخبار والشائعات الدنيوية


النافذة الخامسة

أهمية التعرّف على الفرق والطوائف للحذر منها ومن أهلها، وأن التحذير من الأهواء والبدع كان منهجاً شائعاً معروفاً عند الصحابة رضي الله عنهم .. فهذه المرأة مع عدم علمها بهذه المسألة الفقهية إلا أنها تعرف ما هي الحرورية وتعرف أنها فرقة ضالة ولذلك بادرت إلى البراءة منها .. وبعض الناس يقول: (أشغلتم الناس بالتحذير من البدع وأهلها ولو علّمتموهم مسائل الفقه لكان أولى)!


هذه الفوائد سمتعها بعضها من أحد طلاب العلم الفضلاء ونقلتها بعبارتي

فقه الجهاد عند ابن عثيمين .. عندما ينطق الراسخون

كثير من الكُتّاب والمثقّفين تكلموا في أبواب الجهاد، إلا أن كلامهم لا يُشبع طلاب العلم من جهة، ولا يُقنع المنحرفين في تلك المسائل من جهة أخرى، وذلك أن البلاء ينتج (غالباً) من خوض من لا يحسن فيما لا يحسن على وجه لا يحسن، لذا؛ رأيت من المناسب إيراد كلام أحد أهل العلم الأكابر وهو صاحب الفضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله، مع شئ يسير جداً من التوضيح

الكلمة الأولى: قال ابن عثيمين رحمه الله عن نصرة إخواننا المستضعفين في البوسنة والهرسك: (ولكن أنا لا أدري؛ هل الحكومات الإسلامية عاجزة؟ أم ماذا؟ إن كانت عاجزة فالله يعذرها، واللهُ يقول "ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله"، فإذا كان ولاة الأمور في الدول الإسلامية قد نصحوا لله ورسوله لكنهم عاجزون فالله قد عذرهم) المصدر "الباب المفتوح" مجلد 2 صفحة 284 لقاء 34 سؤال 990

* يستفاد من كلامه:
أن التارك للجهاد مع العجز: معذور
وأننا لا نُلام في ترك الدفاع عن المسلمين المستضعفين حال كوننا عاجزين عن معاونتهم

الكلمة الثانية: قال رحمه الله جواباً عن السؤال التالي: (ما رأيكم فيمن أراد أن يذهب إلى البوسنة والهرسك؟ مع التوضيح): (أرى أنه في الوقت الحاضر لا يذهب إلى ذلك المكان، لأن الله عز وجل إنما شرع الجهاد مع القدرة؛ وفيما نعلم من الأخبار والله أعلم أن المسألة الآن فيها اشتباه من حيث القدرة، صحيح أنهم صمدوا ولكن لا ندري حتى الآن كيف يكون الحال! فإذا تبيّن الجهاد واتّضح؛ حينئذٍ نقول: اذهبوا) المصدر الشريط رقم 19 من أشرطة "الباب المفتوح" من الموقع الرسمي للشيخ الدقيقة 26 الثانية 3

* يستفاد من كلامه:
أن جهاد الدفع تشترط له القدرة
أن مناصرة المسلمين ومساعدتهم لا تكون إلا حيث كان لدى المسلمين القدرة على تلك المناصرة
أن الجهاد لا يكون إلا إذا اتّضحت الصورة ووضحت الرؤية

الكلمة الثالثة: قال رحمه الله عن الجهاد: (لكنه كغيره من الواجبات لا بدّ من القدرة، والأمة الإسلامية اليوم عاجزة، لا شكّ عاجزة، ليس عندها قوة معنوية ولا قوة مادية، إذاً يسقط الوجوب عدم القدرة عليه "فاتقوا الله ما استطعتم") المصدر شرح "رياض الصالحين" مجلد 3 صفحة 375 أول كتاب الجهاد ط المصرية

* يستفاد من كلامه:
أن الجهاد لا بدّ له من القدرة
أن الأمة الإسلامية اليوم عاجزة
أن عجز الأمة الإسلامية من الجهتين: المادية والمعنوية
أن وجوب الجهاد يسقط عن الأمة في حالة عدم القدرة

الكلمة الرابعة: قال رحمه الله عن الجهاد: (لكن الآن ليس بأيدي المسلمين ما يستطيعون به جهاد الكفار؛ حتى ولا جهاد مدافعة) المصدر "الباب المفتوح" مجلد 2 صفحة 261 لقاء 33 سؤال 977

* يستفاد من كلامه:
اشتراط القدرة على جهاد الدفع
التأكيد على عجز الأمة الإسلامية (الآن) عن مواجهة الكفار

الكلمة الخامسة: قال رحمه الله عن الجهاد: (إنه في عصرنا الحاضر يتعذر القيام بالجهاد في سبيل الله بالسيف ونحوه، لضعف المسلمين ماديًّا ومعنويًّا، وعدم إتيانهم بأسباب النصر الحقيقية، ولأجل دخولهم في المواثيق والعهود الدولية، فلم يبق إلا الجهاد بالدعوة إلى الله على بصيرة) المصدر مجموع فتاوى الشيخ مجلد 18 صفحة 388 

* يستفاد من كلامه:
أن الجهاد بالسيف متعذّر في العصر الحاضر
أن لهذا التعذّر أسباباً على منها: الضعف المادي، والمعنوي، وعدم قيامنا بأسباب النصر الحقيقية، ودخول ولاة الأمور في العهود والمواثيق التي تقتضي الكفّ عن الأعداء
أنه يجب الالتزام بميثاق ولي الأمر
أنه لا جهاد في العصر الحاضر إلا جهاد العلم والدعوة

ختاما: ماذا يقول المتحمّسون عن أي طالب علم أو داعية يقول مثل كلام الشيخ ابن عثيمين؟ ألا تراهم يصفونه بأبشع الأوصاف؛ الجبن، والخيانة، والعمالة، والخبث، والتخذيل؟ فإن كان الشيخ على رأس الخونة المخذّلين العملاء (وحاشاه) فتلك مصيبة، وإن لم يكن كذلك؛ فالذي يقول بمثل قوله لا يستحقّ هذا الذم والتشنيع

أن التعقّل وضبط الجهاد بالأدلة الشرعية ليس تخذيلاً ولا تهويناً من مكانة الجهاد في الإسلام، ولا إضعافاً لمعاني العزة، ولا تغييباً للكرامة الإسلامية

ثورةٌ عن بُعْد

لا يشك عاقل أننا نعيش عصر تنوّع الوسائل، بل تغيّر المفاهيم! حتى الثوابت؛ أصبح هناك ما يزاحمها.. حوار، ثقافة، معرفة، سعة أفق، تقبل الآخر، ... إلى آخر تلك (الشعارات) التي صُمّمت خصيصا لتعكير صفو المباديء ولإذابة المُسلّمات
 
في عصرنا المبْهِر.. أصبح التمسّك بالأصالة تحجّراً وتعصبا، والتقلّب في أودية العقل انفتاحاً ووعياً؛ ولو كان المرءُ لا يدري عن تقويم الأسنان هل هو هجري أم ميلادي؟

في عصرنا الجميل.. أصبح الإنجاب وتكثير النسل من النوافل! المكروهة!! بينما (الوايرلس) من الأساسيات التي يوصف من لا يملكها بالمسكين ويقال حال الإشارة إليه بالبنان: وين عايش؟

في عصرنا الرائع.. أصبحنا نتسوّق عن طريق الانترنت، ونصل أرحامنا إلكترونياً، ونستفتي الشيخ (قوقل)، ونتحاكم عند النزاع لمحركات البحث

في إحدى حالات الاسترخاء النادرة في حياتي؛ عادت بي الذاكرة لذلك الذي كان (يداوم) أمام الفاكس الساعات الطوال ليرسل ما كان يسمى وقتها بـ (فاكسات المسعري) والتي صدرت الفتاوى بتحريم تصويرها ونشرها

كما تذكّرتُ (الصحيّح) الآخر (الفقيه) حينما كان (يترزز) أمام برنامج المحادثة (البالتوك) ليعلن للعالم المكون من ثمانين (يوزر) خطته الذهبية لإنقاذ شعب الجزيرة العربية الذي لم يستنجد به أصلاً

ولا أنسى تلك الطائفة من الحجاج التي كانت تستخدم الأدوات الحادة في الترحيب بالناس بالطريقة التي يسِمُون بها جباههم حزنا على مَن قُتل بسببهم

إن مفهوم الثورة الآن تحوّل من الطريقة القديمة التي تعتمد على المواجهة، والتي تنتهي غالبا بـ (الإركاب) في سيارة جيب آخر موديل و (الإيداع) الفوري في فندق لا يُطلّ على شيء، إلى الطريقة الجديدة (الثورة عن بعد) أو (الثورة الإلكترونية)

فيما مضى.. ابتُلينا بقنوات تنشر السحر والكهانة، وتحت شعار (نُخرجك من ملة الإسلام على الهواء مباشرة وأنت في بيتك) ويتم ذلك بمجرّد اتصال (قصير) بالأستوديو ومخاطبة (كبير الجسم صغير العقل) وسؤاله عن أمور الغيب ومن ثَمّ تصديقه

نحن اليوم نعيش الواقع نفسه مع قضية أخرى من قضايانا، فقط اختلفت القضايا واتّحدت الوسائل

صار بمقدورك إعلان التمرّد والعصيان، وأنت في بيك وأمام شاشة جهازك تتناول كرواسون الجبن والزعتر

بإمكانك تسيير مظاهرة إلكترونية وتحريك مسيرة عن بعد والهتاف بشعارات الثورة وأنت ملتزم الصمت

تستطيع تعبئة الجماهير ونشر البغضاء والتحريض على الانفلات وأنت قابع (بكل براءة) في غرفتك المطلة على حديقة يرفرف فيها علم الوطن

ربما تساهم في خلق فجوة بين المواطن والقائد في الوقت الذي تحتفل فيه باليوم الوطني لبلادك وتقوم فيه بطلاء وجهك باللون الرسمي لوطنك

في ظلّ الثورة بمفهومها الجديد؛ يُتاح لك الجمع بين شخصيتين بينمها مسافة قصيرة جداً لا تتجاوز (فقط) ما بين المشرقين؛ شخصية عاشقة للوطن متفانية في خدمة البلد مخلصة للمليك، وشخصية تضرب من تحت الحزام!

هذا التوجه ظهر جليّا في فيديوهات النصائح (الرقيقة للغاية) والتغيريدات (العذبة جدا) التي يقوم ببثّها ونشرها بعض (مشاهير)  الفكر حول الوطن وهموم المواطن، والتي يكون لها بالغ الأثر في ترسيخ مبدأ الكراهية نحو الوطن وكل ما يمتّ للوطن بصلة

في نظري القاصر أحيانا (إلا هذه المرة!): يخطيء من يظنّ أن الضغوطات قد تُرغم صنّاع القرار! فإن أصغر شوارع أحياء مدينتك (على سبيل المثال) يشهد بأن المراهق في هذا العصر عنده الاستعداد أن يفقد أي شيء إلا أنه لا يتنازل على أطنان الكبرياء والعناد التي يحملها في قلبه! فما بالك بالرجل الكبير؟ بل ما بالك بالمسؤول؟ .. الإجبار والإكراه لغتان لا أحد يحبهما ولا يستجيب لهما، والواقع خير شاهد

بقي أن أوجه كلمة للشباب الذين أنا أحدهم! فأقول: 

يشهد الله أنني لا أفرح بالمشكلات؛ لكننا أمام أمر أكبر من ذلك كله، نحن أمام نعم حبانا الله إياها؛ يحسدنا عليها القاصي والداني، والمرجو منّا أن نعرض مطالبنا بطريقة لا تخرق المجتمع ولا تتعارض مع مبدأ المحافظة على النعم، تلك النعم التي لو لم نؤدّ شكرها (لله) تعالى أولاً ثم (للمتسبب) فيها ثانياً فإنا والله نخشى زوالها، وهذا مصداق ما في الكتاب العزيز

* رسائل مباشرة: 
انتقاد الأسلوب لا يعني عدم الاكتراث بالمشكلة
الحرص على الطاعة مبدأ شرعي أصيل وليس مبالغة ولا مداهنة
التغافل عن نعم الله أول مداخل الشيطان في صرف الناس عن الشكر

* ومما جاء في المعين الصافي: 

قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يُكلّمهم الله، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم؛ ... ورجل بايع رجلا لا يبايعه إلا للدنيا فإن أعطاه ما يريد وفى له وإلا لم يف له) رواه البخاري ومسلم

وقال حذيفة رضي الله عنه: (والله! ما فارق رجل الجماعة شبراً، إلا فارق الجماعة)

وقال عبد الله بن عكيم رضي الله عنه: (لا أُعين على قتل خليفة بعد عثمان) قيل له: وهل أعنت على قتله؟ قال: (إني أعدّ ذكر مساوئه من الإعانة على قتله)

أسأل الله أن يوفقنا لحسن المطالبة ونحن أهل لذلك، ويوفق حكامنا لحسن الأداء وهم أهل لذلك