مقبل الوادعي .. الرجل الذي لم تر اليمن مثله منذ قرون

عمِل حارس عمارة بمكة، أهديتْ له بعض مقررات التوحيد المدرسية، تأثر بها وبكتاب فتح المجيد فرجع إلى بلده يعلم الناس التوحيد وينكر عليهم الشرك، عاداه أهلُ بلده، أجبروه على دراسة مذهبهم لتزول ما في رأسه من شبهات! لكنه عاد للسعودية ودرس فيها

تخرّج من (الجامعة الإسلامية) بشهادتين: كلية الدعوة "انتظام"، وكلية الشريعة "انتساب"، يقول: خشيتُ ذهابَ الوقت وأردتُ التزودَ مِن العلم، قال المشرفُ على رسالة الشيخ للماجستير: لو كانتْ أنظمة الجامعة تسمحُ؛ لأُعْطِيَ الشيخُ بهذه الرسالة الماجستير والدكتوراة معًا

مِن تحمّله أنه ربما مسح خيوط العنكبوت من كِسر الخبز وأكلها، وربما لم يجد إلا ماء  زمزم! كان يتلذّذ بالعلم ويقول: يعلم الله أني أتصوّر أني مَلِك، 

أثّر فيّ قوله لطلابه: "أنا أكثرُكم أولادًا؛ لأنكم كلكم أولادي" وكان طلابُه جاوزوا الألفين، والشيخُ لم يُرزق أولادًا ذكورًا

موقف طريف يدل على صدق الشيخ وصراحته: سأله الرئيسُ يومًا: هل تدعو لي؟  قال الشيخُ: أحيانًا! فقال الرئيس: فادع لي بالصلاح

لم يكن يطلب العلم للدنيا!.. ومن العجائب أنّ شهاداته ضاعتْ ولم يعد يدري عنها! ومِن بينها شهادة الماجستير، وكان يقول: "هذه الشهادات ستذوب"

أثنى عليه ابن باز، والألباني، بل قال عنه ابن عثيمين: "والله إني لأعتقد أنّ الشيخَ مقبل إمامٌ مِن الأئمة"

كان كثير المحاسبة لنفسه.. حتى قال: لمّا ظهرتْ لي أوّل شيبة؛ أمسكتُ لحيتي وقلتُ: ماذا قدّمتَ للإسلام يا مقبل؟!

بعد مغرب السبت 15/3/1421 هـ ألقى آخرَ دروسه على طلابه، حيث تم إسعافه قبل فجر الأحد، ثم سافر للسعودية لاستكمال العلاج، من السعودية تقرّر أنْ يُسافر الشيخُ لأمريكا، أراد العودة لليمن لإرجاع أهله، ومِن ثمّ السفر لأمريكا، فعاد لليمن واستُقبل استقبالا حافلا، ألقى كلمة وداع، بدأها بقوله: "لعلكم لا تلقوني بعد عامي هذا"، ثم سافر مستكملا رحلة العلاج، لكن الأطباء أفادوا بصعوبة حالته، فرجع للسعودية، كتب وصيته، وتوفي بعدها بـ 10 أيام، قال أحد مرافقيه: كأننا نحن المرضى والشيخُ يُسلّي عنّا! صُلّي عليه في الحرم المكيّ ودفن بمقبرة العدل جوار ابن باز وابن عثيمين

مقبل بن هادي الوادعي.. مِن علماء اليمن، نشأ يتيمًا، لم يُولد له ذكورٌ، بناته 4، تُوفّي عن زوجتين، وُلد سنة 1352 هـ، توفّي سنة 1422 هـ، عن 70 سنة

مِن أقواله: 

* مَن أرادَ أن يُجالسَ الكذّابين فليقرأ الصحف
* العامّة؛ إنْ قلّ الخبزُ والسكرُ والملوخيّة؛ فهم مُستعدّون أنْ يُكفّروا الرئيس، وإنْ أتى لهم بحاجاتهم قالوا: هذا خليفةٌ راشد
* مَن تنكّر للسنّة أذلّه الله 
* مَن عاند السنّة فلا تَعْجَل عليه.. اللهُ سينتقمُ منه
* العلمُ خيرٌ مِن المُلْكِ والرّئاسَة
* لا أعرفُ حِزْبيّا لا يكذب
* الشّأنُ كُلّ الشّأنِ كيفَ نُعالجُ الواقعَ، لا: كيفَ نَعْرِفُه
* الشعوبُ ليستْ مُؤهّلةً للجهاد، هي محتاجةٌ للتعليم
* مُخالفةُ الناس تحتاج إلى شجاعة
* الحكومة الجائرة خيرٌ مِن الفوضى
* مَن تعلّق بالسياسة العصرية فَسَدَتْ دعوته
* لا يُفلح طالبُ العلم إلا إذا جعلَ الدنيا لوقت فراغه
* لن أترك أحدًا يطعن في السنّة، ولو لم يبقَ إلا أنْ نتعاضضَ بالأسنان لتعاضضنا
* لو نراعي خواطر المسلمين ما عمِلنا بسُنّة مِن السنن
* يعلمُ الله لو دُعينا لرئاسة الجمهورية لما أجبنا، فقد أحببنا العلم

أنصح بقراءة كتاب: الإمام الألمعي مقبل بن هادي الوادعي

القول الفصل في مسألة دوران الأرض

هل في الكتاب والسنة ما "يُثبت" أو "ينفي" دوران الأرض؟

رغبة في نشر العلم سأذكر ثلاث قواعد عامّة تصلح لهذا السؤال ولغيره من الأسئلة المشابهة

القاعدة الأولى: 
ما جاء في الكتاب والسنة مما يتعلّق بالعلوم التجريبية كعلم الطب أو الفيزياء أو الفلك... وغيرها، لا يخلو من حالتين:

الحالة الأولى: أن يكون النص صريحا، فيجب تصديقه وتقديم قول الله ورسوله فيه على قول الباحث، لأن قول الله ورسوله لا يحتمل الخطأ، بينما قول الباحث يحتمل الخطأ

مثال هذه الحالة: وجود سبع سماوات، جاء هذا في الكتاب وصحيح السنة، وسواء أنكرها أو أقرها الباحثون، فنحن نؤمن بها ولا نقبل الاعتراض عليها

الحالة الثانية: أن يكون النص غير صريح، فيكون المرجع هنا للباحثين المتخصصين، ولا يعتبر هذا مخالفًا لكلام لله ورسوله، لوجود الاحتمال في النص الشرعي

مثال هذه الحالة: دوران الأرض، فالنصوص محتملة مما يسمح للباحثين بالاجتهاد ولا يجعل الأمر محصورًا في علماء الشريعة، بل المرجع في هذا لأهل الاختصاص وليس لعلماء الشريعة من أصله

القاعدة الثانية: 
يجب النظر للقرآن الكريم على أنه كتاب توجيهات وأحكام وإيمان بالغيب، وليس كتابا متخصصا في الطب ولا الفيزياء ولا الفلَك

وهذه القاعدة تعني أن نفهم نصوص القرآن  -بل ونصوص السنة النبوية- على أنها للتوجيه وبيان الدين، لا على أنها نظريات تجريبية مُعرّضة للصواب والخطأ

القاعدة الثالثة: 
معاملةُ نصوص الكتاب والسنة على أنها "لتأكيد أو نفي النظريات" والتكلّفُ في توجيه نصوصها المحتملة؛ فيه محاذير خطيرة، منها:

المحذور الأول: إضعاف قداسة الكتاب والسنة، وجعلها كتبًا شبيهة بكتب البحوث والتجارب
المحذور الثاني: التشكيك في الكتاب والسنة، وذلك عندما تتعرّض نصوصهما لنقد الباحثين واعتراض المختصّين
المحذور الثالث: الاستهانة بالكتاب والسنة، وذلك عندما نحتاج للباحثين في تأكيد وإثبات بعض ما تضمّنته نصوصهما من أمور يظنّها المجتهد حقائق

ختاما: علينا أن نصون القرآن والسنة عن العلوم التي لم يأت الشرع أصلا لأجلها، إلا إذا كانت الحقيقة العلمية صريحةً في النصوص الشرعية لا يدخلها الاحتمال


ملخّص رأي الألباني في دوان الأرض:
ليس في الشرع ما ينفي حقيقة دوران الأرض
الشرع ليس من وظيفته أصلا الحديث عن علم الفَلَك

المصدر

ملخص رأي ابن باز في دوران الأرض:
الأرض ثابتة لا تدور
من قال بدورانها فإنه لا يكفر
من زعم أني أكفّر من قال بدورانها فقد كذب

المصدر


ملخص رأي ابن عثيمين في دوران الأرض:
لا ينبغي الخوض في هذه المسألة
ليست من مسائل العقيدة
أدلة القرآن فيها محتملة وليست صريحة

المصدر


خلاصة المقال في نقطتين:
أدلة دوران أو ثبوت الأرض غير صريحة
المرجع في هذه المسألة لأهل الفلك وليس لعلماء الدين

تكريم المرأة .. حقيقة؟ أم مجرّد شعار؟

إن مشكلة المرأة ليست مع الإسلام، بل مع "بعض" المسلمين، فتكريمُ ليس مجرّد شعار نلوّح به عندما لهزيمة "دعاة التحرير"، إنه قناعة بالإسلام، وحسن فهم لنصوص الشريعة، وصدق تطبيق لتوجيهات الدين

* من مظاهر الجاهلية:

1. قول الرجل عند ذِكْر زوجته: أجلّك الله! وإنت بكرامة! فهي في نظر القائل مجرد شيء حقير
2. إذا رُزِقَ بمولود سمّاه بنفسه، وإذا كانت مولودة قال لأمّها: سمّيها! وهذا شبيه بما يقع في نفوس أهل الجاهلية تجاه البنات
3. الدعاء للمتزوّج بـ (بالرّفاء والبنين)، وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يُشعر بكراهية البنات [الرّفاء: الوِفَاق والالتئام]
4. قول الرجل للشيء القبيح أو الأمر الساذج: أخلاق نساء، أو مجالس حريم! والمفترض عدم ربط الخُلُق أو الحديث السيّء بالمرأة
5. مقولة: لا تشاور المرأة! مع أن النبي صلى الله عليه وسلم استشار المرأة وأخذ برأيها في بعض المواقف، بل حصل بمشورتها خيرٌ للإسلام والمسلمين
6. لوم المرأة على التبرّج؛ مع تبرئة الرجل من إثم النظر! والمفترض أن يُنصح الاثنان، فتُنصح المرأة إنْ تبرّجت، ويُنصح الرجل إن أطلقَ بصره

* نصوصٌ شرعية تتعلق بالمرأة يُساءُ فهمها وتطبيقها:

النص الأول: قول الله تعالى "وقرن في بيوتكن"، فليس المعنى الحبس في البيوت، بدليل خروج نساء النبي معه في أسفاره، بل المعنى ألّا يكون خروجهن كخروج نساء الجاهلية: المبالغ فيه، والمصحوب بالتبرج، بدليل الإشارة للتبرج في الآية نفسها: "وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى"

النص الثاني: قول الله تعالى "للذكر مثل حظ الأنثيين"، فالآية في ميراث الأولاد، وليست في (كل) حالات الميراث، بدليل أن هناك حالات ترث فيها المرأة أكثر مما يرث الرجل، وقد توسّعتُ في بيان هذه الحقيقة في موضع آخر

النص الثالث: قول الله تعالى "وللرجال عليهنّ درجة"، فليس المقصود الأفضلية الدائمة المطلقة في كل الأحوال، قال ابن عباس: "بما ساق إليها من المهر وأنفق عليها من المال"، فربما كانت المرأة أصلح وأتقى من الرجل

النص الرابع: قول الله تعالى "واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجلٌ وامرأتان"، وهذا من أكثر النصوص تعرّضًا لسوء الفهم، أولا: الآية تتكلم عن أحكام الدَّيْن، فهي في الشهادة على أمور الأموال وليست في جميع حالات الشهادة! والمنطق يقول أن الرجل أكثر خبرة وتخصّصًا من المرأة في قضايا الأموال والحقوق والمطالبات، وثانيا: الإسلام راعى مصلحة القضية ونظر لأهمية ظهور الحقيقة، فكان الأهم أن ينظر لجانب: الخبرة، وألاّ ينظر لجانب: الذكورة والأنوثة، بدليل تقديم شهادة المرأة على شهادة الرجل في القضايا التي تكون خبرتها فيها أكثر من خبرة وتخصّص الرجل، كقضايا الرضاع وعيوب الزواج ..

النص الخامس: قول النبي صلى الله عليه وسلم "وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة" رواه مسلم، فكلمة "متاع" لا تعني أنها سلعة أو كسائر الأمتعة والممتلكات! بل المعنى إيجابي وفيه إنصاف وثناء على المرأة، لأن كلمة "المتاع" في لغة العرب تُطلق على كل ما يتسبب في إدخال السرور

النص السادس: قوله صلى الله عليه وسلم "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" رواه البخاري ومسلم، فالحديث لا ينتقد المرأة ولا يُسيء لها، وليس موجّها للمرأة من أصله، بل هو موجّه للرجل الذي يفتتن بالمرأة! ووصْف تأثّر الرجل بالمرأة بأنه فتنة لا يقدح في المرأة مالم تتعمّد المرأةُ أن تكون سببا فيه، كما يُفتن المرء بالمال والولد، بل وربما يُفتن في دينه وعلمه وعقله! فالخلل في الرجل الذي افتَـتٓـن، لا في الأمر الجذّاب الذي فُتن به

النص السابع: قول الله تعالى "الرجال قوّامون على النساء"، فليس المعنى السيطرة والمنع كما يفهم بعض الناس! بل المعنى المسؤولية والنفقة، بدليل تتمّة الآية: "الرجال قوامون على النساء (بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم)"، وبدليل خدمة النبي صلى الله عليه وسلم لأهله، نعم للرجل حق الطاعة والتوجيه، لكنه مطالب مقابل ذلك بحسن العشرة، وهذا يقتضي أن يأمر بالمعروف وينهى باعتدال، لا أن يتعسف في الأمر والنهي استدلالا بآية القوامة